mardi 9 janvier 2007

التوجهات الكبرى للعلاقات الدولية

مقدمة:
لقد عرف عالم ما بعد الحرب الباردة أفكارا عديدة تختلف في مضمونها عن تلك التي سادت أناء الصراع القطبي و إن اختلف بشأن تسميتها ؛ إلا أنها أصبحت تميز واقع اليوم , و تعبر كلها عن حالة معقدة حيث زادت فيها العلاقات الدولية و تكثفت فيها التفاعلات الدولية بين أفراد المجتمع الدولي .
و الجدير بالذكر أن هذه المتغيرات الدولية التي برزت في حقبة نهاية الحرب الباردة تعبر عن التوجهات الكبرى التي ترسم ظلال العلاقات الدولية ؛ و المميز الفعلي للتفاعلات العالمية الحاصلة .. و إن كانت هذه التوجهات تخضع لجملة من العوامل و الأسباب التي تمثل محددات لها . و من كذا منطلق فهذه العناصر تختلف في مضمونها باختلاف الأنساق الفكرية و الاستبصارات المشكلة لها ؛ إضافة إلى الجانب الممارساتي الذي يطبع هذه التوجهات .
و باعتبار تعدد العوامل و المحددات التي تتحكم في ظهور هذه التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية خاصة في فترة الحرب الباردة فإننا هنا نطرح الإشكالية الآتية :
- ما هي المحددات التي تتحكم في بروز التوجهات الكبرى في أعقاب الحرب الباردة على اثر بروز ظاهرة العولمة بكل ما تحمله لهيكل النظام الدولي من متغيرات على صعيد التنظير و الممارسة ؟ .
لتحليل هذه الإشكالية ننطلق من الفرضية القائلة أن المتغيرات المشكلة للتوجهات الكبرى في العلاقات الدولية تفصل التأصيل النظري عن الواقع العملي على اثر بروز العديد من المتغيرات المشكلة للتوجهات الكبرى في العلاقات الدولية .
قد شهد العالم منذ نهاية القرن العشرين ثورة شاملة على كافة المستويات ؛ حيث يمكن مقاربة تطور العلاقات الدولية من منطلق تغيير مضامين و حدود الدور الذي تعنى به العلاقات بين الدول الذي يختلف في مدلولاته و نسقه عن تلك التي كان يعيشها العالم زمن الصراع الإيديولوجي , لكن مع بروز العديد من الفواعل الجديدة على الساحة الدولية مثل المنظمات الدولية و الاقليمية و الشركات المتعددة الجنسيات و الوكالات المتخصصة و الأشخاص ذوي التأثير في العلاقات الدولية مثل قادة المنظمات الإرهابية و غيرها..الخ .
فنهاية الحرب الباردة أفرزت نظام عالمي جديد أوجب على فكر العلاقات الدولية إعادة النظر في العديد من التصورات و المداخل النظرية ؛ يظهر ذلك من خلال النقاشات التي أثيرت مع بروز التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية و لعل أهم هذه المداخل المدخل أو النظرية الواقعية التي تعتبر من أهم النظريات في العلاقات الدولية التي اهتمت بالواقع الفعلي من خلال التركيز على الجانب العملي الممارساتي للدول .
و تفترض الواقعية أن المصلحة القومية للدول تعتبر الأساس أو الجوهر المتمركز حول التحليل من منطلق البقاء أو تعظيم القوة العسكرية أو من خلال تعظيم القوة السياسية .. و المنهج الواقعي إنما يتبنى مقولة أساسية مفادها أن عالم اليوم هو عالم الصراع و الحرب , اللتان تعتبران من أساس العلاقات الدولية ؛ و إن كان الطرح الواقعي يدعم ذلك بشقيه الدفاعي و الهجومي إلا أن نوع المصلحة هو الذي يحدد نوع و طبيعة التوجه في العلاقات الدولية في فترة معينة من خلال الاعتماد على الإطار أو النسق السياسي حيث يتم في هذا الإطار الاعتماد على تحقيق المصلحة القومية التي تمثل هدف من أهداف السياسة الخارجية و جانب يوضح الاستمرار في التفاعلات الخارجية للدول , و يظهر ذلك من خلال انتهاء الحرب الباردة التي أفرزت مجالا واسعا لصانع القرار الأمريكي الذي أصبح يتمتع بشق كبير من المناورة في خضم غياب الخصم التقليدي ؛ و انتهى بذلك عصر الاحتواء بمعناه الكلاسيكي حيث أصبحت الولايات المتحدة أكثر براغماتية و بالرغم من ذلك فهي تحاول خلق أنظمة بديلة في منطقة الشرق الأوسط لدعم توجهاتها و دعم بعض الأنظمة التي تحقق مصالحها .. وفي هذا الإطار يؤكد كل من جون ميرشايمر و ستيفن وولت على أن التوجهات الحالية للعلاقات الدولية إنما تصب في تحقيق المصلحة القومية ..التي لم تنفي التوجه الإيديولوجي الذي كان يطبع العلاقات الدولية في فترة الصراع القطبي و الذي تحول اليوم إلى احد المتغيرات في ظل العداء الإسلامي و الحرب على الإرهاب . فمن منطلق تحقيق القيم الإنسانية استطاعت الولايات المتحدة التدخل في كل من العراق و افغنستان لكن التحدي الذي تواجهه في هذه المناطق اثبت أن جوهر هذه العمليات ليس نشر القيم الديمقراطية و حقوق الإنسان بل هو حماية مصالحها في تلك المناطق .
فهنا نجد أن الطرح الواقعي بشقيه لا يزال يدعم التوجه لتحقيق المصلحة القومية و أن لم تكن كالسابق إلا انه تم ربطها بالعديد من المحددات كسبيل لتحقيق ذلك .
بالمقابل نجد أن متغير الأمن الجماعي الذي يبرزه التصور الليبرالي حيث يتم استبدال الأمن القومي الذي يمثل التصور الواقعي للأمن بمفهوم أو منظور الأمن الجماعي .. فالليبرالية هي من المنظورات التي تملك تصورا امنيا مخالفا للواقعية , هذا الاتجاه الذي يعتبر الأمن القومي و التحالفات هي مجرد نتاج للمنظور الواقعي .
فمن منطلق أن الأمن الجماعي يمثل احد الصيغ التي تحدد التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية ؛ إلا انه أصبح يتعين على هذا المفهوم أن يكون مجهزا للتعامل مع الأزمات الإقليمية مثل أزمة الغذاء , أزمة الطاقة و أزمة التلوث البيئي الذي تعتبر الولايات المتحدة أهم عنصر في إحداث ذلك حيث أنها لم توقع إلى حد اليوم على بروتوكول كيوتو .
فالأمن الجماعي و السلام الديمقراطي يعتبر الجانب الممارساتي و القيمي للمنظور الليبرالي ناهيك عن الجانب الاقتصادي المحرك لهذا المنظور.. فأحداث 11 سبتمبر 2001 و ضعت الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع و أمام تحد من اكبر التحديات نابع من منطلق الهوة بين الشمال و الجنوب حيث بدا النقاش بعد ظهور الإرهاب في محاولة لدرأ هذا الخطر الذي ليس له زمان و لا مكان و يمكنه الوصول إلى أي هدف متى شاء ذلك .هنا بدا النقاش حول كيفية مواجهة دول العالم لهذا التحدي وصولا إلى إرساء سلام ديمقراطي من شانه مراجعة و تحقيق فكرة الأمن الجماعي .
ومن كذا منطلق نجد أن التوجهات الحاصلة اليوم على صعيد العلاقات الدولية شهدت انقلابا خاصة مع بروز نسق العولمة و مع ما يحمله هذا النسق من تراكمات , سواء على صعيد الجانب المؤسساتي المالي الذي أصبح يحدد بصفة دقيقة التوجهات الرئيسية للعلاقات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و غيرها أو على صعيد الجانب القيمي.. هذا يقودنا إلى أن التأثيرات السلبية للعولمة ليست بدرجة متساوية على جميع الدول بحيث تبقى الدول النامية عرضة للاختراق و التأثير و ذلك بسبب التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و عدم الاستقرار السياسي و هذه الأسباب إنما تشكل في مجملها مجموعة تحديات للعالم الثالث و بالطبع هي تحديات مفروضة عليه و يبقى الهدف هو كيفية و ضع استراتيجية لمواجهة هذه التحديات و من ثم التغلب عليها .
فتوجهات العلاقات الدولية اليوم ومن خلال نسق العولمة أصبحت تفرض التكتل على الدول , ولعل التجار التكاملية الحاصلة اليوم تبرر ذلك مثل الاتحاد الأروبي و الآسيان و النافطا و المركوسور و .. هذه الأخيرة القائمة على الجانب الاقتصادي ناهيك عن تلك التي قامت على الجانب العسكري مثل الناتو ؛ و مهما يكن فان توجهات العلاقات الدولية اليوم يحددها الاقتصاد أكثر من الجانب السياسي حيث أن في عصر العولمة استطاعت هذه الأحلاف خلق نوع من التوازن لإطرافها لمواجهة هذه التحديات التي تفرضها العولمة ضمن توجهات فكرية و قيم نابعة من طبيعة الحلف أو التكتل القائم على أساس نهج المنظور الوظيفي كما يقول بذلك ريتشارد هاس
,و تعتبر نظرية التكامل من ابرز النظريات التي ظهرت للرد على معظم الأفكار التي عبر عنها أنصار النظريات الواقعية و من بعدها الواقعية الجديدة , و يؤكدون على الاعتماد المتبادل الذي يمكن أن يدخل في النظام الدولي و مكوناته الفرعية لما لهذا النظام الفرعي من أهمية ؛ فانهيار نظام فرعي فانهيار نظام فرعي إذا كان النظام مسيطرا قد ينتهي بتدمير النظام العالمي؛ كما يمكن أن يؤثر فيه , و هذا ما يشكل احد التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية إذ أن الإقليمية تحمل في مضمونها موجة حديثة من التفاعلات التي تحدث داخل الكتل و التجمعات الإقليمية و طبيعة المحتوى السياسي و الاستراتيجي الذي ظل يحكم تفاعلات النظم الإقليمية , و قد شهدت الموجة الإقليمية الجديدة بروز العديد من نماذج التكتلات التجارية و الاقتصادية و هذا النوع من التكتل الاقتصادي هو احد نتاج عملية التدويل الاقتصادي الذي يمثل احد التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية .
مما سبق نجد أن هناك العديد من العوامل و المحددات التي تتحكم في ظهور و تطور التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية و التي برزت بأكثر حدة خاصة في ظل العولمة أين ظهرت هذه العوامل بصفة جلية ؛ كما و نجد أن التراكمات التي يحتويها النسق تتحكم بصفة نسبية في تطور هذه التوجهات ..و حاليا تتصدر القضايا الكبرى خاصة ما يتعلق بالهوية و العرقية التي تعتبر من العناصر الفاعلة التي تتصدر أولويات التوجهات الكبرى في العلاقات الدولية و التي و أن كان الجانب التأصيلي النظري يحاول دراسة هذه التوجهات دراسة نقدية و استشرافية فان الواقع يظهر أن هذا الجانب يخضع بصفة مطلقة لمصلحة الدول الكبرى و الفاعلة في نسق العلاقات الدولية
.